ديم أمور
أفادت مصادر أمنية لشبكة ODATV أن تركيا ستساعد الحكومة الجديدة في سوريا وتقيم قواعد جوية وبرية وبحرية في سوريا لمحاربة داعش. هذه خطوة دراماتيكية تحاول إسرائيل تجنبها بأي ثمن، وتعمل في الوقت نفسه بقوة لمنع ترسخ تركي كبير على حدودها الشمالية.
الجهود الدولية لإعادة تأهيل سوريا في أوجها وتشمل عدة جهات لها مصالح متنافسة في المنطقة. تبدو سوريا في طريقها إلى نهاية النضال ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية التي لا تعترف بالحكومة الجديدة في البلاد، وفي الوقت نفسه تتبلور حقيقة جيوسياسية جديدة محورها السؤال حول من سيسيطر على الأراضي السورية وما سيكون طابع النظام الجديد.
تحكي شبكة ODATV عن العمليات المختلفة التي تحدث في سوريا، وفقاً لمصادر أمنية في البلاد. وفقاً للتقارير، ستساعد تركيا الحكومة الجديدة في سوريا على إقامة أجهزة الأمن والجيش الخاصة بها. في إطار ذلك ستقيم القوات التركية قواعد جوية وبرية وبحرية في سوريا تحت ادعاء محاربة منظمة داعش الإرهابية، وهي خطوة تثير قلقاً عميقاً في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
أشارت مصادر أمنية إلى أن آلية الأحزاب الخمسة، التي أُقيمت في إطار النضال ضد داعش وتشمل تركيا ودول المنطقة، تجتمع من وقت لآخر، وأن جميع المساهمات الممكنة ستُقدم لضمان الأمن والاستقرار في سوريا. كما أُشير إلى أن اللقاء بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأيام القادمة سيكون لقاءً مهماً وحاسماً، وذكروا أن هذا اللقاء سيؤدي إلى حل العديد من القضايا المتعلقة بسوريا.
قالت مصادر أمنية، التي أكدت أن الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا لكنها ستترك قاعدة رمزية: "ترامب لم يعد يعتقد أن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط سيكون مفيداً. هو يدرك جيداً هيمنة تركيا بين دول المنطقة. لا يريد أن تدخل أمريكا في مشاكل في المستقبل. كدولة، نقول دائماً أن المشاكل الإقليمية يجب أن تُحل من قبل دول المنطقة وأن الأطراف الأخرى لا يجب أن تكون متورطة."
تشير هذه التصريحات إلى تغيير جوهري في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتفتح الباب لزيادة النفوذ التركي في المنطقة. الانسحاب الأمريكي المخطط يخلق فراغاً استراتيجياً تصمم تركيا على ملئه، مستغلة الضعف الروسي إثر الحرب في أوكرانيا وسقوط حليفها نظام الأسد.
وفقاً للمنشورات، للحكومة الجديدة في سوريا ثلاثة أهداف رئيسية: تحسين شرعية واعتراف البلاد في الساحة الدولية، إحياء الاقتصاد والحفاظ على سلامتها الإقليمية والبنية الاتحادية. السيناريوهات التي تهدف إلى تقسيم البلاد لا تُؤخذ في الاعتبار، لكن عملياً السيطرة التركية المتزايدة على الأراضي السورية قد تؤدي إلى حالة من التبعية الوثيقة لسياسات أنقرة.
يأتي هذا التقرير من شبكة ODATV على خلفية تقارير عن صراع خفي بين إسرائيل وتركيا حول طبيعة سوريا. تدّعي تركيا كما ذُكر أنها تقيم القواعد في جميع أنحاء البلاد لمساعدة نظام الجولاني الجديد في محاربة داعش، لكن إسرائيل ترى هذا كمحاولة للسيطرة على سوريا وتحويلها إلى دولة تابعة لها. الحقيقة الأمنية الجديدة تضع أمام إسرائيل تحديات معقدة لم تواجهها من قبل.
قبل نحو شهرين نُشر أن سلاح الجو عمل على إحباط محاولة فورية للجيش التركي للحصول على موطئ قدم داخل سوريا بقوات كبيرة من أسراب الطيران التركي. في عملية برق، قادها قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار، عمل السلاح وقصف في الأيام الأخيرة مطارين استخدمهما الجيش السوري في عهد نظام بشار الأسد.
يتعلق الأمر بمطار تدمر ومطار T4. في قصف البساط دمر سلاح الجو المطارين. لم يبق فيهما أي مبنى قائم. قصفوا الطائرات وأنظمة الرادار وأبراج المراقبة ومناطق الوقوف وجميع المدارج وجميع المباني – المستودعات ببساطة دمروا المطارين، قال مصدر عسكري. الخطوة الإسرائيلية هدفت إلى منع الأتراك من الحصول على نقاط تعزيز جوية استراتيجية تمكنهم من نشر قوات كبيرة في سوريا.
جاءت الهجمة على خلفية إعلان إسرائيل أن لديها شرطين رئيسيين بشأن سوريا: الأول، نزع السلاح المطلق من جنوب البلاد حتى لا تهدد إسرائيل، والثاني، حرية الحركة الجوية فوق لبنان وسوريا. أجرت إسرائيل اتصالات مع الأتراك حول مستقبل البلاد حيث أُوضحت الخطوط الحمراء للحكومة الإسرائيلية، لكن حتى الآن يبدو أن الطرفين لم يصلا إلى تفاهمات مهمة.
التوتر المتزايد بين إسرائيل وتركيا يعكس صراعاً أوسع على الهيمنة في المنطقة. تُعتبر تركيا قوة إقليمية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ومواجهة مباشرة معها متوقعة أن تشكل تحدياً كبيراً جداً لإسرائيل. في السنوات الأخيرة عززت تركيا مكانتها كقوة عسكرية، مع تطوير صناعة عسكرية محلية كبيرة. في 2023 بلغ تصدير الأسلحة من تركيا نحو 5.5 مليار دولار، نحو نصف التصدير الإسرائيلي.
يُعتبر الجيش التركي الأكبر بين الجيوش حول شرق البحر المتوسط، واكتسبت أنقرة في السنوات الأخيرة خبرة قتالية في سوريا وليبيا والحرب بين أرمينيا وأذربيجان. تطورت القدرات العسكرية التركية بشكل كبير، بما في ذلك تطوير أنظمة طائرات بدون طيار متقدمة وأنظمة دفاع جوي وتقنيات حرب إلكترونية.
مصادر في تركيا تدّعي أن القواعد ستُقام على الحدود مع إسرائيل وستوفر الحماية لسوريا – إذا دخل سلاح الجو الإسرائيلي مثلاً إلى الأراضي السورية تعد تركيا بالهجوم، لكن هذه مجرد مصادر تُسمع في وسائل الإعلام وليست رسمية. ومع ذلك، هذه التهديدات غير الرسمية تشير إلى اتجاه الرياح بين المؤسسة التركية والعزم على أن تصبح لاعباً مهيمناً في سوريا.
في هذه الحالة تفضل إسرائيل روسيا في سوريا لأن روسيا لا تريد احتلال سوريا أو البقاء في سوريا إلى الأبد، لكن تركيا ترى سوريا كأراضيها ولذلك عندما تكون هنا ستسمح بفعل أي شيء. الروس، رغم علاقاتهم المعقدة مع إسرائيل، أظهروا على مدى سنوات استقراراً نسبياً واستعداداً للتنسيق في قضايا أمنية معينة. الأتراك، بالمقابل، يُنظر إليهم كعامل أكثر جشعاً هدفه تحقيق السيطرة الكاملة على الأراضي السورية.
الجيش التركي قوي جداً، والإسرائيلي أيضاً قوي لكن من الأفضل ألا يكون هناك صراع لأن الضرر على إسرائيل من تركيا وسوريا سيكون صعباً وتركيا قد تفقد مكانتها في الناتو، لكن أحياناً هناك شعور أن تركيا لا تخاف من فقدان مكانتها في الناتو. الحقيقة الأمنية الجديدة تضع إسرائيل أمام معضلات صعبة: من جهة، الحاجة للحفاظ على مصالحها الأمنية الحيوية في سوريا، ومن جهة أخرى، الرغبة في تجنب مواجهة مباشرة مع قوة إقليمية مثل تركيا.
الفجوة بين القوات ملحوظة بشكل خاص عند فحص البيانات الكمية: للجيش التركي نحو 775,000 جندي نشط ونحو 380,000 قوات احتياط، بينما لإسرائيل نحو 170,000 جندي نشط ونحو 445,000 قوات احتياط. من ناحية المعدات، لدى تركيا نحو 3,200 دبابة مقابل نحو 1,370 لإسرائيل، ونحو 1,067 طائرة مقاتلة مقابل نحو 241 لإسرائيل. ومع ذلك، لإسرائيل ميزة تقنية كبيرة ومستوى تدريب أعلى لقواتها.
الصراع على سوريا يعكس أيضاً تغييرات أوسع في النظام الدولي. انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والضعف الروسي وصعود قوى إقليمية مثل تركيا تخلق خريطة جيوسياسية جديدة. في هذا السياق، تُجبر إسرائيل على التكيف مع واقع يصبح فيه اللاعبون الإقليميون أقوى وأكثر استقلالية في أعمالهم.
إقامة قواعد تركية في سوريا ستغير بشكل جوهري التوازن العسكري في المنطقة. الوجود التركي الدائم في سوريا سيمكن أنقرة من إسقاط القوة العسكرية مباشرة على الحدود الإسرائيلية، وخلق روابط وثيقة مع المنظمات الإرهابية في لبنان وتقييد حرية العمل الإسرائيلي في سوريا ولبنان. في الوقت نفسه، الوجود التركي قد يعزز موارد وقدرات المنظمات الإرهابية المختلفة في المنطقة.
بالنسبة لإسرائيل، الوضع يطرح تحديات عملياتية واستراتيجية جديدة. عملياتياً، سيكون من الصعب أكثر العمل في سوريا ضد أهداف إيرانية أو لبنانية عندما يكون هناك وجود تركي كبير. استراتيجياً، ستُجبر إسرائيل على التعامل مع تهديد جديد على حدودها الشمالية، مع الأخذ في الاعتبار أن تركيا عضو في الناتو ولديها قدرات عسكرية متقدمة.
الخطوة التركية في سوريا ترتبط أيضاً بالسياق الأوسع للسياسة الخارجية التركية تحت الرئيس أردوغان. تسعى تركيا لاستعادة مكانتها كقوة إقليمية رائدة، مستغلة الفراغ الذي نشأ من ضعف لاعبين تقليديين مثل إيران وروسيا. إقامة قواعد في سوريا جزء من اتجاه أوسع لتوسيع النفوذ التركي في المنطقة، شمل في السنوات الأخيرة نشاطاً في ليبيا والقوقاز والبحر الأسود.
رغم المعارضة الإسرائيلية، يبدو أن تركيا عازمة على المتابعة في خططها. المساعدة التي تقدمها تركيا للحكومة الجديدة في سوريا، بما في ذلك تدريب قوات الأمن والجيش، تخلق تبعية متبادلة تجعل أي محاولة لإزالة الوجود التركي من البلاد صعبة. في الوقت نفسه، الشرعية الدولية التي تحصل عليها تركيا لنضالها ضد داعش تمكنها من تبرير وجودها العسكري في سوريا.
إقامة القواعد التركية في سوريا تثير أيضاً أسئلة حول مستقبل اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط. الوجود التركي العدائي على الحدود مع إسرائيل قد يقوض الاستقرار الإقليمي ويعقد جهود السلام مع دول عربية إضافية. في الوقت نفسه، هذا قد يعزز محور المقاومة الإيراني-التركي ضد إسرائيل وضد المشاركة الغربية في المنطقة.
السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا ستُجبر على التحديث وفقاً للواقع الجديد. بدلاً من القدرة على العمل بحرية نسبية في الأراضي السورية، ستحتاج إسرائيل لتوخي الحذر في كل عمل، مع الأخذ في الاعتبار الرد التركي المحتمل. الوضع يتطلب تطوير قدرات استخباراتية وعملياتية جديدة، إلى جانب بناء علاقات دبلوماسية محدثة مع لاعبين إضافيين في المنطقة.
بالنسبة لدول الخليج، في المقدمة السعودية والإمارات، إقامة القواعد التركية في سوريا تشكل أيضاً قلقاً. هي ترى في تركيا منافساً على الهيمنة الإقليمية، والوجود التركي الكبير في سوريا قد يعزز مكانة أنقرة في الصراع على النفوذ في المنطقة. الوضع قد يؤدي إلى تعدد التحالفات ومواجهة أكثر تعقيداً لجميع اللاعبين ذوي الصلة.
في نهاية المطاف، الخطوة التركية في سوريا تمثل تغييراً جوهرياً في خريطة القوى في الشرق الأوسط. هذه خطوة قد تغير ليس فقط الوضع الأمني الإسرائيلي، بل النظام الإقليمي بأكمله. السؤال هو ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في التعامل مع التحدي الجديد مع الحفاظ على مصالحها الأمنية، أم أن الواقع الجديد سيجبرها على تغييرات دراماتيكية في استراتيجيتها الأمنية. الجواب على هذا السؤال سيؤثر ليس فقط على مستقبل العلاقات الإسرائيلية-التركية، بل على استقرار المنطقة بأكملها.
الصورة: AP