اللغة العربية

ماكرون: فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في يونيو القادم

الرئيس ماكرون يعلن: فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في يونيو - في مؤتمر مشترك مع السعودية في نيويورك. وزير الخارجية ساعر: "مكافأة للإرهاب". المستشار الإسرائيلي لماكرون يدافع عن الخطوة: "خطوة استراتيجية تهدف لخدمة مصالح إسرائيل وإضعاف حماس"
3333

في تصريح مفاجئ، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس من المتوقع أن تعترف بالدولة الفلسطينية في شهر يونيو المقبل، ضمن إطار مؤتمر مشترك مع السعودية سيُعقد في نيويورك. هذا الإعلان، الذي بُث على القناة الفرنسية France 5، يمثل تغييراً ملحوظاً في السياسة الفرنسية ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة.

"علينا المضي قدماً نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، وسنفعل ذلك في الأشهر القادمة"، صرح ماكرون في مقابلة. وأكد الرئيس الفرنسي أن هذه الخطوة تهدف إلى قيادة عملية اعتراف متبادل، تعترف من خلالها الدول الداعمة للفلسطينيين بحق إسرائيل في الوجود. "هدفنا هو إنهاء عملية الاعتراف المتبادل من قبل عدة دول"، أضاف ماكرون، موضحاً: "أفعل ذلك لأنني أؤمن أنه في هذه المرحلة هو الصواب، ولأنني أريد أيضاً المشاركة في ديناميكية جماعية يجب أن تسمح لكل أولئك الذين يدافعون عن الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل – وهو ما لا يفعله الكثيرون منهم".

ووفقاً لماكرون، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "سيسمح لنا بأن نكون واضحين في نضالنا ضد أولئك الذين ينكرون حق إسرائيل في الوجود – كما يحدث مع إيران – والالتزام بالأمن الجماعي في المنطقة". هذا التصريح يمثل استمراراً مباشراً لموقف ماكرون منذ عام 2017، عندما أعرب عن دعمه لحل الدولتين وقال إننا "سنواصل جهودنا مع الأمم المتحدة لإيجاد حل للدولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب ضمن حدود معترف بها من قبل المجتمع الدولي". وفي تلك المناسبة، أشار ماكرون أيضاً إلى أن "القدس ستكون عاصمة للدولتين".

لم يتأخر رد إسرائيل. فقد رد وزير الخارجية جدعون ساعر بحدة على تصريح ماكرون، مدعياً أن "'الاعتراف الأحادي' بدولة فلسطينية خيالية من قبل أي دولة في الواقع المعروف للجميع لن يكون سوى مكافأة للإرهاب وتعزيز لحماس". وأضاف: "مثل هذه الأمور لن تقرب السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا فحسب – بل على العكس من ذلك: ستبعدهم".

ومع ذلك، يقدم عوفر برونشتاين، المستشار الإسرائيلي للرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي شارك في قرار فرنسا بالإعلان عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، صورة مختلفة تماماً. فهو يدعي أن "المؤتمر الذي تقوده فرنسا والسعودية في يونيو – والذي سيتم خلاله الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية – هو خطوة دبلوماسية بُنيت من فهم عميق للمصالح الإقليمية، وعلى رأسها المصالح الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل".

ويؤكد برونشتاين أن "ليس هناك محاولة للضغط على إسرائيل أو إملاء شروط عليها – على العكس من ذلك: يتعلق الأمر بإنشاء مسار جديد سيعزز مكانتها الإقليمية والدولية، ويوسع دوائر الشراكة، ويضعف حماس ومراكز التطرف". ووفقاً له، فإن "الرئيس ماكرون – الذي دعا إلى الإفراج الفوري عن جميع المختطفين، ونزع سلاح حماس، ووقف القتال – يؤكد أن الحل يكمن في خطوة دبلوماسية مسؤولة، مع سلطة فلسطينية متجددة، بالتنسيق مع دول المنطقة، وليس في تخليد صراع ليس له مخرج عسكري".

وفي توسعه في الحديث عن السياسة الفرنسية، يضيف برونشتاين أن "ماكرون دعا علناً دولاً عربية إضافية للاعتراف بإسرائيل – ليس كتنازل، بل كاعتراف بحقيقة أن استقرار المنطقة يعتمد على دمج القوى المعتدلة ضد التطرف الديني والقومي. الاعتراف بفلسطين مصحوب بمطلب صريح للعودة إلى تقديم المساعدات الإنسانية لغزة – ليس كمرونة، بل كوسيلة لاستقرار المنطقة وإعادة السيطرة إلى أيدي جهات مسؤولة".

وفي ختام حديثه، يؤكد برونشتاين على نقطة مركزية: "فرنسا لا تدعم إقامة دولة فلسطينية فارغة من المحتوى، بل دولة ستنشأ من آلية مشتركة لإعادة إعمار غزة – وفقاً لخطة عربية ودولية متكاملة، بما في ذلك تلك التي قدمتها للرئيس – وملتزمة بأمن إسرائيل". ويشدد على أن "هذه ليست بادرة أحادية الجانب – إنها خطوة استراتيجية تهدف إلى خدمة مصالح إسرائيل قبل كل شيء، ومنع تصعيد إقليمي لا يمكن السيطرة عليه". وبنبرة متفائلة يضيف: "كشخص مشارك في العملية، أنا مقتنع بأن أول شيء ستضطر الدولة الفلسطينية الجديدة للقيام به هو إعلان الاعتراف بدولة إسرائيل".

فرنسا، إذا نفذت تصريح ماكرون واعترفت بالدولة الفلسطينية في الأشهر المقبلة، ستنضم إلى قائمة متزايدة من الدول التي أعلنت بالفعل عن خطوة مماثلة. في يونيو الماضي، أعلنت أرمينيا انضمامها إلى 147 عضواً آخر في الأمم المتحدة يعترفون بالدولة الفلسطينية. وفي نفس الشهر، أعلنت أربع دول أوروبية أيضاً اعترافها بفلسطين، رغم المعارضة الإسرائيلية الشديدة: النرويج وإيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا.

وكان رد إسرائيل الرسمي على هذا الاتجاه واضحاً – صوت أعضاء الكنيست بأغلبية كبيرة لصالح إعلان يفيد بأن الكنيست الإسرائيلي يعارض إقامة دولة فلسطينية.

تجدر الإشارة إلى أن هناك أصواتاً معارضة لهذه الخطوة حتى داخل فرنسا نفسها. ففي يونيو الماضي، قال زعيم اليمين المتطرف الفرنسي جوردان بارديلا، من حزب "التجمع الوطني"، إن "الدولة الفلسطينية لها حقوق ولكن عليها أيضاً التزامات". ومع ذلك، أوضح أن "الاعتراف بدولة فلسطينية في هذه المرحلة سيكون اعترافاً بالإرهاب، واعترافاً سياسياً بمنظمة تدعو في ميثاقها إلى تدمير دولة إسرائيل".

يأتي تصريح ماكرون في وقت حساس بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث تستمر التوترات في الارتفاع والجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وترتيب إقليمي مستمرة بكامل قوتها. الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية، إذا تحقق بالفعل في يونيو، قد يكون حافزاً لدول أخرى لاتخاذ خطوة مماثلة، والتأثير بشكل كبير على المفاوضات الجارية في المنطقة.

قد يكون لهذه الخطوة آثار بعيدة المدى على مكانة إسرائيل في الساحة الدولية، وعلاقاتها مع فرنسا ودول أوروبية أخرى، وإمكانية التقدم نحو تسوية سياسية شاملة في الشرق الأوسط. السؤال المركزي الذي يبقى مفتوحاً هو ما إذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيؤدي بالفعل إلى اعتراف متبادل من قبل الدول العربية بإسرائيل، كما يأمل ماكرون، أو أنه سيزيد من التوترات والمخاطر الأمنية في المنطقة، كما تخشى إسرائيل.

وفي كلتا الحالتين، فإن الواقع المعقد في الشرق الأوسط يتطلب من جميع الأطراف المعنية التصرف بحذر ومسؤولية. هل سيكون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية خطوة نحو السلام أم سيؤدي إلى مزيد من التصعيد؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد إلى حد كبير على الخطوات التي ستتخذها جميع الأطراف في الأشهر المقبلة، وعلى رأسها إسرائيل والسلطة الفلسطينية وفرنسا والدول العربية المشاركة في العملية.

صورة: رويترز

אהבתם שתפו :