بقلم: ديم عامور
الصور المروعة التي غمرت الشبكات الاجتماعية أمس تكشف قضية محرجة ومرعبة من الفقدان التام للتناسب والضمير. مشجعو بيتار القدس، بعد هزيمة مؤلمة في نهائي كأس الدولة أمام هبوعيل بئر السبع، اختاروا توجيه إحباطهم نحو هدف عاجز تماماً – سائقي الحافلات الذين كانوا يؤدون عملهم فحسب.
هذه لعبة. كرة قدم. رياضة. ليست حرباً، وليست مسألة حياة أو موت، بل لعبة من المفترض أن تقدم المتعة والترفيه. لكن بدلاً من قبول النتيجة بروح رياضية، قررت مجموعة من الشباب أن سائق الحافلة العربي هو المسؤول عن هزيمة فريقهم. العبث صادم – كما لو أن سائقاً يعمل في الخط 512 قد حدد بطريقة ما نتيجة المباراة في ملعب بلومفيلد.
ما يجعل الحادثة أكثر رعباً هو أنه يمكن رؤية بوضوح في الصور ومقاطع الفيديو أن جزءاً من المهاجمين يرتدون قبعات دينية وملابس مرتبطة بالجمهور المتدين. المفارقة مؤلمة – أشخاص من المفترض أن يكونوا متربين على قيم كرامة الإنسان ومحبة الآخر والحفاظ على حياة الإنسان، تحولوا إلى دائرة عنف بدائية ضد شخص لم يخطئ إلا بمجيئه للعمل.
الواقع غير المفهوم هو أن نفس المشجعين حولوا اللعبة إلى نوع من الطقوس المتطرفة. الألوان والرموز والأوشحة والطقوس – كل هذا أصبح أهم من الكرامة الإنسانية الأساسية. عندما تخسر في اللعبة، تحتاج لإيجاد كبش فداء، وسائق الحافلة العربي مناسب للغرض.
أحمد، سائق الحافلة الذي تعرض للهجوم في الخط 512، وصف لـ"كان أخبار" الكابوس الذي عاشه: "وصلت إلى المحطة في مالحة وكان هناك حوالي 150 شاباً. صعدوا إلى الحافلة، صرخوا هتافات الموت للعرب، ضربوني، هاجموني بالغاز، ثقبوا الإطارات". رجل كان يؤدي عمله فقط أصبح هدفاً للكراهية والعنف بسبب نتيجة مباراة كرة قدم.
التناقض مرعب: نفس المشجعين يمكنهم حفظ السبت والصوم في يوم الغفران وقراءة الصلوات وزيارة الكنيس – وفي نفس الوقت مهاجمة شخص بريء بوحشية. كيف تتماشى الأمور؟ كيف يتحول من يفترض أن يؤمن بصورة الله في كل إنسان إلى حيوان عنيف؟
بالإضافة إلى الهجوم الوحشي على أحمد في الخط 512، تم الإبلاغ عن هجوم إضافي في الخط 77. أفادت شركة سوبربوس أن هذا السائق أيضاً تعرض للهجوم من قبل المشجعين العائدين من المباراة – ضربوه ورشوا عليه الغاز المسيل للدموع. صدر عن الشركة إدانة حادة: "نتحدث عن حالتي عنف خطيرتين ضد سائقي الشركة، تنضمان إلى حالات عنف عديدة تحدث يومياً ضد سائقي الحافلات في القدس. في مقاطع الفيديو لحوادث العنف يظهر المجرمون بوضوح ونحن نتوقع وندعو جميع جهات إنفاذ القانون وإدارة بيتار القدس لمعاقبة المشاغبين بأقصى حد فوراً".
الصورة العامة مقلقة ومخجلة. سائقو الحافلات، الذين يقدمون خدمة حيوية للجمهور، يتحولون إلى "كيس ضرب" للمشجعين المحبطين. حذر إيتاي كوهين من اتحاد العمال: "كل يوم يقربنا من قتل سائق أو مفتش". التحذير واضح – إذا لم يكن هناك تغيير جذري، فسنواجه كارثة.
رئيس بلدية القدس موشيه ليون، الذي تجنب في الماضي الإدانة العلنية لأحداث مماثلة، أصدر هذه المرة بياناً حاداً: "العنف ضد سائقي الحافلات هو عبور للخط الأحمر. الإضرار على خلفية أصل أو جنس الشخص أمر خطير وغير مقبول ومناقض لقيمنا اليهودية".
وضعت منظمة "تاغ مئير" الإصبع على الجرح: "سائقو الحافلات العرب أصبحوا كيس الضرب القومي للعنصريين اليهود". الجملة مؤلمة، لكنها دقيقة. هذه ظاهرة منهجية لتوجيه الإحباط نحو أقلية تُنظر إليها كهدف سهل.
المباراة نفسها أُقيمت تحت غيمة من العنف. توقفت مرتين – مرة بسبب اعتراض صاروخ من اليمن، ومرة أخرى بسبب هتافات عنصرية من مشجعي بيتار ضد اللاعب لوكاس فنتورا من هبوعيل بئر السبع. حتى قبل المباراة اقتحم المشجعون بوابات الملعب بالقوة.
الصورة الناشئة هي لمجتمع مشجعين فقد كل اتصال بالواقع. بدلاً من رؤية كرة القدم كلعبة وترفيه، حولوها إلى ساحة للكراهية والعنصرية. عندما يخسر الفريق، يتم توجيه الغضب نحو من هو قريب – وفي هذه الحالة، سائقي الحافلات العرب.
السؤال المقلق هو كيف نصل إلى حالة يرى فيها شباب يهود، جزء منهم من الجمهور المتدين، في سائق الحافلة العربي هدفاً مشروعاً للعنف فقط بسبب نتيجة مباراة كرة قدم. هل هذه نتيجة تربية فاشلة؟ تطبيع للعنف؟ عنصرية بنيوية؟
صدرت عن شرطة إسرائيل ردة فعل صارمة: "نرى بخطورة أعمال البلطجة والعنف في المجال العام، خاصة عندما تكون موجهة ضد موظفي الخدمة العامة وسائقي الحافلات. فور تلقي البلاغ، وصل رجال الشرطة للمكان، نفذوا عمليات تفتيش عن المشتبه بهم وفُتح تحقيق. سنواصل العمل بحزم وبكل الوسائل المتاحة لدينا لتعقب المشتبه بهم وظروف الحالة".
أصدر منتدى شركات النقل العام التنافسية إدانة حادة: "نتحدث عن حادثة خطيرة من العنف ضد عمال النقل العام – ظاهرة يجب القضاء عليها فوراً". دعا المنتدى السلطات التنفيذية للتحقيق في الحالة وتقديم المسؤولين للعدالة. حتى لا يكون هناك تغيير ثقافي حقيقي، حتى لا يتم توضيح أن العنف ضد موظفي الخدمة العامة خط أحمر مطلق، سنواصل رؤية أحداث محرجة ومرعبة كهذه.
صور الأمس يجب أن توقظ الضمير العام. لا يمكن أن يكون في دولة يهودية وديمقراطية، أشخاص تربوا على قيم الدين والأخلاق يتحولون إلى مجرمين عنيفين بسبب مباراة كرة قدم. هذا ليس فقط جريمة ضد المتضررين – هذه جريمة ضد القيم الأساسية للمجتمع الإسرائيلي.
أحمد تم نقله للمستشفى وحالياً غير متأكد إن كان سيعود للعمل. إنه خائف. سائق حافلة في القدس يخاف من أداء عمله بسبب مشجعي كرة قدم عنيفين. هذا عار وطني يجب أن يضيء أضواء تحذير حمراء عند كل من يهتم بصورة إسرائيل والقيم التي من المفترض أن تقوم عليها.